
شنت السلطات المحلية بمدينة الجديدة منذ أسابيع حملات واسعة لتحرير الملك العمومي واستهدفت العملية، التي كانت تحت الإشراف المباشر لباشا المدينةو قائد الملحقة الادارية الثانية، واستعملت فيها في بعض الأحيان الافراط في القوة واستعراض العضلات بدعوى تطبيق القانون.
وإذا كان الرأي العام المحلي قد استقبل عملية تحرير الملك العمومي بصدر رحب على اعتبار أن العديد من المتاجر والمحلات والمقاهي قد استباحت الرصيف بشكل فاحش، فإن الطريقة والأساليب الاستفزازية التي تمت بها العملية والهجوم الليلي الذي قامت به أعوان ورجال السلطة ، غير مقبولة وتعود بنا إلى الأزمنة الغابرة، فمن فير المعقول أن يستفيق المواطنون على وقع هدم عشوائي لواجهات محلات تجارية ومقاهي وتتحول شوارع المدينة في ساعات قليلة إلى ركام من الأتربة وكأنك في إحدى المدن المنكوبة “قندهار أو كابول …” في الوقت الذي كان من المفروض على المسؤولين وفي مقدمتهم عامل إقليم الجديدة أن يتعامل مع مشكل احتلال الملك العمومي بالمرونة الكافية من خلال عقد لقاءات مكثفة مع ممثلي التجار وحثهم على الالتزام بتطبيق القانون والاتفاق سويا على طريقة لتطبيق قرار تحرير الملك العمومي بطريقة سلسة ودون خسائر.
لكن ما قامت به السلطات الإقليمية والمحلية من هجوم كاسح على المحلات التجارية كبد أصحاب هذه المحلات خسائر مالية فادحة واثر بشكل سلبي على سمعة المدينة داخل وخارج أرض الوطن وأصاب اقتصاد مدينة الجديدة بالسكتة القلبية، فالعديد من المحلات والمقاهي أقفلت أبوابها وقامت بتسريح العاملين بها و تم تشريد عشرات العائلات، ناهيك على أن البعض قام بالاستغناء اضطراريا عن خدمات بعض العاملين بسبب تراجع المداخيل وخسائر هدم واجهات محلاتهم التجارية، هذا دون الحديث عن العديد من المستثمرين من داخل وخارج المغرب الذين كانوا ينوون إقامة مشاريع استثمارية بمدينة الجديدة فضلوا المغادرة وتغيير الوجهة نحو مدن سياحية أخرى بعدما أحسوا بعدم الاستقرار وغياب مناخ مواكبة وتشجيع الاستثمار بمدينة الجديدة.
ومما يؤكد بالملموس أن القائمين على شؤون الإقليم يفتقدون التجربة ولا يحسون بمعاناة المواطنين، قيامهم بحملة هدم واسعة للمحلات في توقيت دقيق وحساس تعيش فيه المدينة ركودا والتجار مطالبون بآداء الواجبات الضريبية السنوية، حيث كان من المفروض تسخير كل الوسائل وتشجيع المستثمرين من أجل تحقيق مكاسب وأرباح في هذه الأشهر العجاف من أجل تجاوز الأزمة الاقتصادية الخانقة وتسديد ما بذمتهم من ضرائب، لكن المسؤولين كانت لهم رؤية أخرى واختاروا منطق القوة واستعراض العضلات وتغييب المرونة وآليات الحوار، هذه الحوادث واستهداف أرزاق الناس من قبل مسؤولي المدينة علق عليه أحد الظرفاء بطرح تساؤل هل القائمين على شؤون مدينة الجديدة أكثر حنكة من نظرائهم بالعاصمة الفرنسية “باريس” التي تستقبل بشكل يومي أعدادا مهولة من السياح من مختلف بقاع العالم، ومع ذلك نجد محلات تحتل الملك العمومي بطريقة فنية تزيد من جمالية ورونق المدينة، وكل ذلك بتنسيق تام بين السلطات والتجار والمستثمرين من أجل استمرار إشعاع مدينة الأنوار الباريزية، وكان الأولى بمسؤولينا الإستفادة من التجربة الفرنسية وتحويل عمليات تحرير الملك العمومي إلى فضاء للمناقشة والحوار مع المستثمرين وإقناعهم بضرورة تحويل الاحتلال الغير قانوني إلى مساهمة منهم في تحسين جمالية شوارع المدينة والتي ستساهم في استقطاب أعداد هائلة من السياح وتنعش اقتصاد المدينة.
الأكيد أن تسخير جيوش من اليد العاملة لمباشرة الهدم لفرض تطبيق القانون هي أساليب بائدة ومتجاوزة ، فتطبيق القوانين يجب أن يكون بالموازاة مع البناء والنماء وتشجيع الاقتصاد والسياحة وهي أمور تستدعي تواجد مسؤولين ذوو تجربة وكفاءة وخبرة.